كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قالت الصابئة: الروحانيات صور مجردة عن المواد. وإن قدر لها أشخاص تتعلق بها: تصرفًا، وتدبيرًا؛ لا ممازجة؛ ولا مخالطة؛ فأشخاصها نورانية أو هياكل كما ذكرنا والفرض أنها إذا كانت صورًا مجردة كانت موجودات بالفعل لا بالقوة: كاملة لا ناقصة؛ والمتوسط يجب أن يكون كاملًا حتى يكمل غيره. وأما الموجودات البشرية فصور في مواد، وإن قدر لها نفوس؛ فنفوسها: إما مزاجية، وإما خارجة عن المزاج. والفرض أنها إذا كانت صورًا في مواد، كانت موجودات بالقوة لا بالفعل، ناقصة لا كاملة، والمخرج من القوة إلى الفعل يجب أن يكون أمرًا بالفعل، ويجب أن يكون غير ذات ما يحتاج إلى الخروج؛ فإن ما بالقوة لا يخرج بذاته من القوة إلى الفعل؛ بل بغيره. والروحانيات هي المحتاج إليها حتى تخرج الجسمانيات إلى الفعل، والمحتاج إليه كيف يساوي المحتاج؟!
أجابت الحنفاء هذا الحكم الذي ذكرتموه- وهو كون الروحانيات موجودات بالفعل غير مسلم على الإطلاق؛ لأن من الروحانيات ما يكون وجوده بالقوة، أو ما هو فيه: وجود بالقوة، ويحتاج إلى ما وجوده بالفعل؛ حتى يخرجه من القوة إلى الفعل؛ فإن النفس لها استعداد القبول من العقل عندكم، والعقل له إعداد لكل شيء، وفيض على كل شيء، وأحدهما بالقوة والآخر بالفعل؛ وهذا لضرورة الترتب في الموجودات العلوية، فإن من لم يثبت الترتب فيها لم تتمشى له قاعدة عقلية أصلًا؛ وإذا ثبت الترتب فقد ثبت الكمال في جانب، والنقصان في جانب؛ فليس كل روحاني كاملًا من كل وجه، ولا كل جسماني ناقصًا من كل وجه. فمن الجسمانيات أيضًا ما وجوده كامل بالفعل، وسائر النفوس أيضًا محتاجة إليه، وذلك أيضًا لضرورة الترتب في الموجودات السفلية. وإن من لم يثبت الترتب لم تستمر له قاعدة عقلية أصلًا؛ وإذا ثبت الترتب، فقد ثبت الكمال في جانب، والنقصان في جانب، فليس كل جسماني ناقصًا من كل وجه. قالت: وإذا سلمتم لنا أن هذا العالم الجسماني في مقابلة ذلك العالم الروحانين وإنما يختلفان من حيث أن ما في هذا العالم من الأعيان فهو آثار ذلك العالم وما في ذلك العالم من الصور فهو مثل هذا العالم، والعالمان متقابلان كالشخص والظل؛ وإذا أثبتم في ذلك العالم موجودًا ما بالفعل كاملًا تامًا؛ حتى تصدر عنه سائر الموجودات: وجودًا، ووصولًا إلى الكمال... فيجب أن تثبتوا في هذا العالم أيضًا موجودًا ما بالفعل كاملًا تامًا؛ حتى تصدر عنه سائر الموجودات: تعلمًا، ووصولًا إلى الكمال. قالوا: وإنما طريقنا إلى التعصب للرجال ونيابة الرسل في الصورة البشرية؛ طريقكم في إثبات الأرباب عندكم وهي الروحانيات السماوية، وذلك احتياج كل مربوب إلى رب يدبره، ثم احتياج الأرباب إلى رب الأرباب. ومن العجب أن عند الصابئة أكثر الروحانيات قابلة منفعلة، وإنما الفاعل الكامل واحد؛ وعن هذا صار بعضهم إلى أن الملائكة إناث، وقد اخبر التنزيل عنهم بذلك: وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمان إناثًا.
وإذا كان الفاعل الكامل المطلق واحدًا؛ فما سواه: قابل، محتاج إلى مخرج يخرج ما فيه بالقوة إلى الفعل... فكذلك نقول في الموجودات السفلية: النفوس البشرية كلها قابلة للوصول إلى الكمال بالعلم والعمل، فتحتاج إلى مخرج يخرج ما فيها بالقوة إلى الفعل، والمخرج هو النبي والرسول. وما هو مخرج الشيء من القوة إلى الفعل لا يجوز أن يكون أمرًا بالقوة، محتاجًا؛ فإن لم يتحقق بالفعل وجودًا: لا يخرج غيره من القول إلى الفعل؛ فالبيض لا يخرج البيض من القوة إلى صورة الطير، بل الطير يخرج البيضة.
وهذا الجواب يماثل الجواب الأول من وجه وفيه فائدة أخرى من وجه آخر: وهي: أن عند الحنفاء: المعقول لا يكون معقولًا حتى يثبت له مثال في المحسوس؛ وإلا: كان متخيلًا موهومًا، والمحسوس لا يكون محسوسًا حتى يثبت له مثال في المعقول؛ وإلا: كان سرابًا معدومًا. وإذا ثبتت هذه القاعدة؛ فمن أثبت عالمًا روحانيًا، وأثبت فيه مدبرًا كاملًا من جنسه: وجوده بالفعل، وفعله إخراج الموجودات من القوة إلى الفعل بفيض الصور عليها على قدر الاستحقاق، فيلزمه ضرورة أن يثبت عالمًا جسمانيًا، ويثبت فيه مدبرًا كاملًا من جنسه: وجوده بالفعل، وفعله إخراج الموجودات من القوة إلى الفعل بفيض الصور عليها على قدر الاستحقاق. ويسمى المدبر في ذلك العالم الروح الأول على مذهب الصابئة، والمدبر في هذا العالم الرسول على مذهب الحنفاء. ثم يكون بين الرسول والروح مناسبة، وملاقاة عقلية؛ فيكون الروح الأول مصدرًا، والرسول مظهرًا. ويكون بين الرسول وسائر الشر مناسبة وملاقاة حسية؛ فيكون الرسول مؤديًا، والبشر قابل.
قال الصابئة: الجسمانيات مركبة من مادة وصورة، والمادة لها طبيعة عدمية. وإذا بحثنا عن أسباب: الشر، والفساد، والسفه، والجهل: لم نجد لها سببًا سوى المادة والعدم؛ وهما منبعا الشر. والروحانيات غير مركبة من المادة والصورة، بل هي صور مجردة، والصورة لها طبيعة وجودية. وإذا بحثنا عن أسباب: الخير، والصلاح، والحكمة، والعلم: لم نجد لها سببًا سوى الصورة؛ وهي منبع الخير. فنقول: ما فيه أصل الخير أو ما هو أصل الخير كيف يماثل ما فيه أصل الشر؟!
أجابت الحنفاء: بأن ما ذكرتم في المادة أنها سبب الشر فغير مسلم؛ فإن من المواد ما هو سبب الصور كلها عند قوم، وذلك هو الهيولى الأولى والعنصر الأول؛ حتى صار كثير من قدماء الفلاسفة إلى أن وجودها قبل وجود العقل. ثم إن سلم؛ في المركب من المادة والصورة كالمركب من الوجوب والجواز عندكم؛ فإن الجواز له طبيعة عدمية، وما من وجود سوى وجود الباري تعالى إلا وجوده جائز بذاته واجب بغيره، فيجب أن يلازمه أصل الشر.
قالوا: وإن سلم لكم أيضًا تلك المقدمة؛ فعندنا صور النفوس البشرية وخصوصًا صور النفوس النبوية كانت موجودة قبل وجود المواد، وهي المبادئ الأولى حتى صار كثير من الحكماء إلى إثبات أناس سرمديين، وهي الصور المجردة التي كانت موجودة قبل العقل كالظلال حول العرش: يسبحون بحمد ربهم، وكانت هي أصل الخير ومبدأ الوجود؛ ولكن لما ألبست الصور البشرية لباس المادة: تشبثت بالطبيعة، وصارت المادة شبكة لها؛ فساح عليها الواهب الأول فبعث إليها واحدًا من عالمه، وألبسه لباس المادة؛ ليخلص الصور عن الشبكة، لا ليكون هو المتشبث بها، المنغمس فيها، المتوسخ بأوضارها، المتدنس بآثارها. وإلى هذا المعنى أشار حكماء الهند رمزًا بالحمامة المطوقة، والحمامات الواقعة في الشبكة.
ثم قالوا: معاشر الصابئة! أبدًا تشنعون علينا بالمادة ولوازمها، وما لم نفصل القول فيها: لم ننج من تشنيعكم. فنقول: النفوس البشرية وخصوصًا النبوية من حيث أنها نفوس، فهي مفارقة للمادة، مشاركة لتلك النفوس الروحانية: إما مشاركة في النوع؛ بحيث يكون التمييز بالأعراض والأمور العرضية، وأما مشاركة في الجنس؛ بحيث يكون الفصل بالأمور الذاتية، ثم زادت على تلك النفوس باقترانها بالجسد أو بالمادة. والجسد لم ينتقص منها؛ بل كملت هي لوازم الجسد، وكملت بها؛ حيث استفادت من الأمور الجسدانية ما تجسدت بها في ذلك العالم: من العوم الجزئية، والأعمال الخلقية. والروحانيات فقدت هذه الأبدان لفقدان هذا الاقتران؛ فكان الاقتران: خيرًا لا شر فيه، وصلاحًا لا فساد معه، ونظامًا لا فسخ له... فكيف يلزمنا ما ذكرتموه؟.
قالت الصابئة: الروحانيات: نورانية، علوية، لطيفة؛ والجسمانيات: ظلمانية، سفلية، كثيفة؛ فكيف يتساويان والاعتبار في الشرف والفضيلة بذوات الأشياء، وصفاتها، ومراكزها، ومحالها؟. فعالم الروحانيات: العل لغاية النور واللطافة، وعالم الجسمانيات: السفل لغاية الكثافة والظلمة. العالمان متقابلان، والكمال للعلوي لا للسفلي. والصفتان متقابلتان، والفضيلة للنور لا للظلمة.
أجابت الحنفاء: قالوا: لسنا نوافقكم أولًا: على أن الروحانيات كلها نورانية، ولا نساعدكم ثانيًا: أن الشرف للعلو، ولا نساهلكم أصلًا: أن الاعتبار في الشرف بذوات الأشياء. وعلينا بيان هذه المقدمات الثلاث؛ فإن فيها فوائد كثيرة: أما الأولى: فقالوا: حكمتم على الروحانيات حكم التساوي، وما اعتبرتم فيها التضاد والترتب، وإذا كانت الموجودات كلها روحانيها وجسمانيها على قضية التضاد والترتب، فلما أغفلتم الحكمين ههنا؟! وذلك أن من قال: الروحاني هو ما ليس بجسماني؛ فقد أدخل جواهر الشياطين والأبالسة والأراكنة في جملة الروحانيات، وكذلك من أثبت الجن أثبتها روحانية لا جسمانية؛ ثم من الجن من هو مسلم، ومنها من هو ظالم. ومن قال الروحاني هو المخلوق روحًا، فمن الأرواح ما هو خير، ومنها ما هو شرير، والأرواح الخبيثة أضداد الأرواح الطيبة؛ فلابد إذن من إثبات تضاد بين الجنسين، وتنافر بين الطرفين. فلم نسلم دعواكم: أنها كلها نورانية.
بلى! وعندنا معاشر الحنفاء الروح: هو الحاصل بأمر الباري تعالى الباقي على مقتضى أمره: فمن كان لأمره تعالى أطوع، وبرسالات رسله أصدق: كانت الروحانية فيه أكثر، والروح عليه أغلب؛ ومن كان لأمره تعالى أنكر، وبشرائعه أكذب: كانت الشيطنة عليه أغلب.
هذه قاعدتنا في الروحانيات، فلا روحاني أبلغ في الروحانية، من ذوات الأنبياء والرسل عليهم السلام.
وأما قولكم: إن الشرف للعلو: إن عنيتم به علو الجهة فلا شرف فيه؛ فكم من عال جهة: سافل رتبة، وعلمًا، وذاتًا، وطبيعة؛ وكم من سافل جهة: عال على الأشياء كلها رتبة، وفضيلة، وذاتًا، وطبيعة.
وأما قولكم: إن الاعتبار في الشرف بذوات الأشياء، وصفاتها، ومحالها، ومراكزها؛ فليس بحق، وهو مذهب اللعين الأول؛ حيث نظر إلى ذاته، وذات آدم عليه السلام، ففضل ذاته؛ إذ هي مخلوقة من النار، وهي علوية نورانية، على ذات آدم وهو مخلوق من الطين، وهو سفلي ظلمائي.
بل عندنا الاعتبار في الشرف: بالأمر، وقبوله: فمن كان أقبل لأمره، وأطوع لحكمه، وأرضى بقدره: فهو أشرف؛ ومن كان على خلاف ذلك: فهو أبعد، وأخس، وأخبث. فأمر الباري تعالى هو الذي يعطي الروح: قل: الروح من أمر ربي؛ وبالروح يحيا الإنسان الحياة الحقيقية، وبالحياة يستعد للعقل الغريزي، وبالعقل يكتسب الفضائل ويجتنب الرذائل. ومن لم يقبل أمر الباري تعالى: فلا روح له، ولا حياة له، ولا عقل له، ولا فضيلة له، ولا شرف عنده.
قالت الصابئة: الروحانيات فضلت الجسمانيات بقوتي: العلم، والعمل. أما العلم فلا ينكر إحاطتهم بمغيبات الأمور عنا، وإطلاعها على مستقبل الأحوال الجارية عليه؛ ولأن علومها كلية، وعلوم الجسمانيات جزئية؛ وعلومهم فعلية، وعلوم الجسمانيات انفعالية؛ وعلومهم فطرية، وعلوم الجسمانيات كسبية... فمن هذه الوجوه: تحقق لها الشرف على الجسمانيات.
وأما العمل فلا ينكر أيضًا عكوفهم على العبادة، ودوامهم على الطاعة: يسبحون الليل والنهار لا يفترقون لا يلحقهم كلال ولا سآمة، ولا يرهقهم ملال ولا ندامة. فتحقق لها الشرف أيضًا بهذا الطرف، وكان أمر الجسمانيات بالخلاف من ذلك.
أجابت الحنفاء: عن هذا بجوابين: أحدهما: التسوية بين الطرفين، وإثبات زيادة في جانب الأنبياء عليهم السلام. والثاني؛ بيان ثبوت الشرف في غير العلم والعمل.
أما الأول: فإنهم قالوا: علوم الأنبياء عليهم السلام كلية وجزئية، وفعلية وانفعالية، وفطرية وكسبية؛ فمن حيث تلاحظ عقولهم عالم الغيب منصرفة عن عالم الشهادة تحصل لهم العلوم الكلية: فطرة ودفعة واحدة، ثم إذا لاحظوا عالم الشهادة حصلت لهم العلوم الجزئية: اكتسابًا بالحواس على ترتيب وتدريج؛ فكما أن للإنسان علومًا نظرية هي المعقولات، وعلومًا حاصلة بالحواس عن المحسوسات؛ فعالم المعقولات بالنسبة إلى الأنبياء كعالم المحسوسات بالنسبة إلى سائر الناس؛ فنظرياتنا فطرية لهم، ونظرياتهم لا نصل إليها قط؛ بل ومحسوساتنا مكتسبة لهم، ولنا بكواسب الجوارح: جوارح الحواس. فأمزجه الأنبياء عليهم السلام أمزجة نفسانية، ونفوسهم نفوس عقلية، وعقولهم عقول أمرية فطرية. ولو وقع حجاب في بعض الأوقات فذاك لموافقتنا ومشاركتنا؛ كي تزكي هذه العقول وتصفي هذه الأذهان والنفوس؛ وإلا فدرجاتهم وراء ما يقدر.
وأما الثاني؛ فإنهم قالوا: من العجب أنهم لا يعجبون بهذه العلوم؛ بل ويؤثرون التسليم على البصيرة، والعجز على القدرة، والتبرؤ من الحول والقوة على الاستقلال، والفطرة على الاكتساب... وما أدرى ما يفعل به ولا بكم على إنما ما أوتيته على علم عندي. ويعلمون أن الملائكة والروحانيات بأسرها وإن علمت إلى غاية قوة نظرها وإدراكها ما أحاطت بما أحاط به علم الباري تعالى؛ بل لكل منهم: مطرح نظر، ومسرح فكر، ومجال العقل، ومنتهى أمل، ومطار وهم وخيال... وإنهم إلى الحد الذي انتهى نظرهم إليه مستبصرون، ومن ذلك الحد إلى ما وراءه ما لا يتناهى مسلمون مصدقون، وإنما كمالهم في التسليم لما لا يعلمون، والتصديق لما يجهلون؛ ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ليس كمال حالهم؛ بل سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا هو الكمال.
فمن أين لكم معاشر الصابئة أن الكمال والشرف في العلم والعمل لا في التسليم والتوكل؟.
وإذا كانت غاية العلوم هذه الدرجة؛ فجعلت نهاية أقدام الملائكة والروحانيين: بداية أقدام السالين من الأنبياء والمرسلين: قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله، فعالم الروحانيات بالنسبة إليهم شهادة، وبالنسبة إلينا غيب، وعالم البشر الجسمانيات بالنسبة إلينا شهادة، وبالنسبة إليهم غيب. والله تعالى: هو الذي يعلم السر وأخفى.
قالت الحنفاء: من علم أنه لا يعلم؛ فقد أحاط بكل العلم، ومن اعترف بالعجز عن أداء الشكر؛ فقد أدى كل الشكر. قالت الصابئة الروحانيات: لهم قوة تصريف الأجسام، وتقليب الأجرام، والقوة التي لهم ليست من جنس القوى المزاجية حتى يعرض لها كلال ولغوب فتنحسر، ولكن القوى الروحانية بالخواص الجسمانية أشبه، وإنك لترى الخامة اللطيفة من النبات في بدء نموها تفتق الحجر، وتشق الصخر؛ وما ذاك إلا لقوة نباتية فاضت عليها من القوة السماوية، ولو كانت هي قوى مزاجية: لما بلغت إلى هذا المنتهى. فالروحانيات هي التي تتصرف في الأجسام تقليبًا وتصريفًا لا يثقلهم حمل الثقيل، ولا يستخفهم تحريك الخفيف: فالرياح تهب بتحريكها، والسحاب يعرض ويزول بتصريفها، وكذلك الزلازل تقع في الجبال بسبب من جهتها... وكل هذه وإن استندت إلى أسباب جزئية. فإنها تستند في الآخرة إلى أسباب من جهتها. ومثل هذه القوة: عديم الوجود في الجسمانيات.
أجابت الحنفاء: وقالوا: منا يقتبس: تفصيل القوى وتجنيسها. فإن القوى تنقسم إلى: قوى معدنية، وقوى نباتية، وقوى حيوانية، وقوى إنسانية، وقوى ملكية، وقوى روحانية، وقوى نبوية ربانية. والإنسان: مجمع القوى بجملتها، والإنسانية النبوية: تفضلها بقوى ربانية ومعان إلهية.